دراجة الفتى

هي من شاطئ الأدب الطفولي البريء ومشاكسات أفكاري المرحة قصّة فتى صغير له من العمر ستٌّ وعشرون !!! تلك هي سنوات عمري والفتى في داخلي هو المرح الذي رفضت قطعا أن يفارقني والأمل الذي آنستُ به أيّامي وأزمِنَتي..

كان للفتى درّاجة له من الصداقة بينهما سنين عشراً، تلازمه ويلازمها، سايرت معه سنوات الدّراسة وبعدها !! عايشت معه أجمل اللحظات و كابدت معه الكوارث والأزمات ونالها من أقدار الله ما ناله في فيضانات عديدة ،لأنّ الفتى يسكن في منطقة واحيّة فلاحية تحادي مجرى الوادي فإذا فاض عن مشارفه نزل عنده ضيفا، وفي أرض ينالها من خير السّماء ونعم ربّ النعماء ، وللفتى مع درّاجته قصص تروى وحكايات تحكى ،آخرها كانت قبل شهر تقريبا حين سُرقت له من مدخل إحدى المساجد ؟؟ بحث عنها يومها وبعدهُ ولم يجدها !! سلّم بأنّه قدرٌ محتومٌ وكتابٌ مسطور ولم يكن يطمع في عودتها!! ذلك أنّ درّاجته لم تكن الأولى التي تسرق من ذلك المسجد!! ففكّر -عبثا-أو -جدلا- في إنشاء جمعية لضحايا سرقات المساجد؟؟؟؟ طبعا لم يكن الأمر بهذه السوداوية لكن سرقة واحدة من المسجد تبدو نقطة سوداء!!

رجع الفتى إلى منزله وفي جعبته خبرٌ جديدٌ: سُرِقت درّاجتي يا أمّي !! تجيبُه الأمّ :لقد تأخّرت سرقتها !! تفاجأ الفتى من جواب أمّه ،لكنّه سرعان ما ابتسم ثمّ ضحك !! لأنّه اعترف في قرارة نفسه أنّه فتى مهمل ،غيرُ مبالٍ بأموره وكثيرا ما كان ينسى درّاجته في إحدى شوارع المدينة وساحاتها ، وكثيرا ماكان يتركها عمدا !! وأنّه تركها مرّةً ثلاث أيّام سويًّا بلياليها في سوق المدينة ولم ينتبه لذلك معتقدا أنّ أخاه يستعملها !! لذلك فهم الفتى جواب أمّه ورأى فيه جوابا ذكيّاً و حكيماً . لكنّ الأمّ سرعان ما استدركت قائلة له: لديَّ إحساسٌ أنّ درّاجتك ستظهر !! كان من ميزة الفتى أنّه يعطي لكلّ كلام قدره، فكيف إذا كان كلامُ أمّه وفي داخلها فُؤادٌ حسّاسٌ يفيضُ صدقاً. والمثل الجزائري يقول: "قلب الأم خَبَّـار" أي يخبرها بما يحدث لأبناءها بعيداً عنها وما قد يحدُثُ لهم في القريب العاجل !!؟من الذي يخبرها ؟يتساءل الفتى .. كان لكلام الأمّ وقعه عليه وهو يأمل ذلك ويستردُّ شريط ذكرياته مع درّاجته لعشر سنوات لأنّها الآن صارت جزء منه ومظهرا ملازما له، حتّى المحيطين به آسفهم اختفاءها واعتبروه خسارة تاريخية أكثر منها ماديّة.. كان شيئُ بداخله يشعره أنّ درّاجته ستعود مادامت الأمّ احسّت بذلك ومادام يحمل مع درّاجته ذكرياته فليس من السّهل القبول بذلك!! بقيت كلماتها تساور تفكيره ويتساءل هل فعلا يمكن أن تعود الدرّاجة ؟

بعد أيّام يأتي إليه طفلٌ فيقول له: أستطيع أن أدلّك على السارق فأنا أعرفه ؟؟ إنّه فلان!! وهو يدرس في الإكمالية ؟؟ هذا الطفل أعاد للفتى بعض الأمل وبيّن له بعض الطريق ليجد درّاجته ويصدق شعور أمّه .. إذا هناك احتمال في أن تكون القصّة مشاغبات طفولية وليست سرقة موصوفة تنتهي بتفكيك الأجزاء وبيعها مثلاً؟؟ لكن هل يمكن أن تكون الدرّاجة عند هذا بعد مرور أسبوع تقريبا؟؟ قد يكون أخذها ليلعب بها ثمّ يتركها في إحدى الأماكن الخالية خوفا من والديه أو من صاحبها إذا رآه ؟؟

يلتقي الفتى بصاحبه في فرصة بنفس المسجد الذي سرقت منه الدرّاجة، ويجري بينهما حوارٌ يعترف فيه الطفل بفعلته وفي وجهه وعينيه تبدو ملامح التوتّر و الخوف من ردّة الفعل ، لكنّه لا يعرف أين الدرّاجة الآن !! فقد أعادها إلى مكانها -يقول الفتى كذباً- والكذب لدى الأطفال -بل لدى النّاس- أسهل حلّ للهروب من ورطتهم !! لكن إلى متى ؟

هل سأخبر والدك؟ هل ستدفع ثمنها؟ عليك أن تتحمّل مسؤوليتك!! إبحث عنها ولديك الفرصة لآخر الأسبوع ..تمرُّ الأيام بينهما ويعطي الفتى لهذا السارق فرصة تلو أخرى لعلّه يجد شيئا .. بين أمل في إيجادها وشكوك في ذلك فالطّفل يأمل ذلك ليخلص من ورطته ولا يصل الأمر لأبيه لأنّ صاحب الدرّاجة هدّده بذلك وشكوك لدى هذا الأخير لأنّ الأمر صار خارج سيطرة السارق

كان صاحبُ الدرّاجة يهدفُ لتربية السارق وردعه ،ولم يكن في حقيقة الأمر يريد درّاجته لأنّ الأمر خرج عن سيطرة السارق ولأنّ أباه رجُلٌ فقيرٌ لا يقدر على تعويض ثمنها، لذلك كان يأمل في أن يكون هذا درسا لهُ فأراد أن يلقّن الدرس..

هكذا يتجاوز الفتى قصّة الدراجة ويبقى كلّ مناهُ تحقيق هدفه ذاك ..

وفي اليوم السابع والعشرين يلتقي الفتى بمصلح الدرّاجات في مدينته فيحكي له القصّة من قبيل الحكاية فقط ، ولم يكن يدرك أنّ لدى الأخير مفتاح الحلّ ..

- متى سُرقت درّاجتك ؟

- منذ عشرين يوما أو اكثر

- إذا إذهب إلى فلان فإنّ له دراجة وجدها وانظر هل هي لك أم لا

شكر الفتى مصلح الدرّاجات وقصد المنعوت له إلى منزله وقد بزغ فيه أملٌ جديدٌ ، أعطى له مواصفاتها فإذا هي درّاجته .. لكنّ قصّته مع الطفل السارق لم تنته بعدُ ..

صفحة الفايسبوك

التسجيل في الموقع

  • صلاح
  • kadchahed

فيــــــــــــديو : تحية لقراء مجلة حنين