السيد "لَيْتَ"
"كنت أحس سادتي الفرسان
أنكم أكفان
و كان هذا سر حزني"صلاح عبد الصبور"
أشغلت دوائره الفرعونية حدوده المنتقاة...فتقلص الهواء تعبيرا عن إضراب سري...في الكراسة الأساسية أسرد اللامبالاة...فالتعقيد قدرته الأحادية و مفخرته التاريخية...يغرس في كل خطاه المتآكلة ورقة رسمية...فإذا به نسل التصفيقات يتأجأج و يتمأجج...السيد "ليت" ينظر بخلفية اللاءات الأبدية...فإذا بها السماء قد رحلت...هو يحب معزوفته التي ورثها بفخر عن أجداده المعاصرين...أجداد القرن العشرين...كان دائما مقطب البسمات...و عمق التفكير لا يفارق بطنه...هذه المعزوفة هي صنع الأكفان...هو دائما يسأل كل الناس ...أصدقاءه و أعداءه..."هل جربته؟! هل كان على مقاسك؟!"...هذه القبور المتحركة تزعجه أحيانا ففي العام المقبل قابله السيد "كان" هائجا "الكفن الأخير لم يكن على المقاس إنّه ضيق..."
السيد "كان" شاعر متمرس، و قد فاز بجائزة أحسن نكتة مستقبلية...فقدم له رئيس البلدية جائزة...رحلة إلى كاليدونيا الجديدة!!!...و عندما عاد قابله المعري بالأحضان..."سأحاول أن أصنع لك كفن قديم بمقاس الكرة الأرضية" أخذ يركل الكلمات ...و يمازح بهستيرية الأنثى أحلامه المتحركة...قد خرج السياق عن منطقه فلا الجمل رغبت فيه...و لا الألفاظ عبئت به...السيد "ليت" استرجع شريط ذكرياته المستقبلية...هو الآن يتذكر بعد ساعة ماذا جرى...عيرته الكواليس بالمازوخية المفرطة...لعنة الأكياس و القراطيس...و ها هو الآن يهرب ضمن لعبة الخبر و المبتدأ...فلا المبتدأ رحمه...و لا الخبر أشفق على نبرات عينيه الصوتية...يؤدي بافتعال الرجعية المطلقة دوره المضمحل...فكل يوم من البيتوتية ...إلى العمل البطال...ثم إلى التقاعد على مدارج النسيان و الهذيان..."مسكين صديقي السيد "كان" صدمته يوما التقدمية في الطريق فكسرت رجله...هو الآن طريح اللسان...بعد أن أعاقته حروف الجر و العطب"...لم يملك نفسه أجهش الحذاء ضاحكا...و استيقظت الشفاه تنوح على عرائس التبادلات الثقافية...فوزارة العدل ...أعلنت بتلك التفاضلات المستقبلية...الاستسلام لإغراء اللعنات...أخذ لسانه يضرب و يركض و يرمي...و ما إن لمح ابنه "مختار" حتى قيّد فمه..."لماذا أنت هنا...ما الذي لا تريده؟!"
"الماما تخبرك أن البيت فرغ منه الدقيق...الزيت...الضوء...الضمير... !!!"
تلك الماما تقاتل إنكيدو في عمق المستحيل...تفاخر بطبقية البؤس المثالي...تتوج الصحارى بأكاليل من التعاسة...الماما تقاتل في خيبر كل يوم...من بسماتها تقذف حجارة فلسطين بمنجنيق من اللآلام...تبارك قدسية الدماء القرمزية...و تسطع بكبرياء الأندلس معلنة عن انتحار طويل بعرض المجرة..."اذهب و سأتبعني بعد كثير لنرى ما الحل". هو الآن يتابع في زفرات المنتهى...عزف الروتين...يدير رأسه فيرى كل يوم الشمس تتحداه بتناسل الأيام...يعانقه الالتزام و "حضرتهم" يكلمه عن باقة الورد التي ستوضع أمام ساحة الشهداء...يستشيره ما الذي يلبس...و ما لون البدلة الرسمية الذي يليق...يطلب منه أن يهيئ نفسه...لأن عليه أن يصنع الكثير من الأكفان...لخطبته المطولة التي يزعم أن يقول.
"هولاكو أيها الأمل المفقود عبر نسمات التاريخ...آن لك أن تنتفض...هولاكو قد وضعت القرابين السوداء على حافة المصير...فلتهنأ بساعات الاحتضار القصوى...فالعروبة قد قدمت في طبق على طاولة القرار "لحضرتهم"...آن لك أن ترمم أسطورة الحاضر...لتقف بفخر و تعلن بأعلى صوتك...أن الكتابة الهيروغليفية قد استقالت من المتاحف...لتمتطي سفينة نوح...ملقية شراعها في وجه الماما...متحدية أهل قريش...و دستور القطط...دستور الجامعة الأمريكية...لتقول بفخر أن هولاكو عاد أخيرا...إلى حضرة الصندوق الدولي...و أخيرا آن لنا أن نفخر بخزي الستائر...فهولاكو بطلنا قد عاد لينتقم منّا...ويمنحنا عطاءه المحترق...صفحة بغداد المنسية..."
السيد "ليت" عاد إلى البيت...لم يصدق طار من الفرح...أمام الدار سيدي السلطان...الشرطة...القضاء...و حتى مجلس الأمن...يحملون الجماجم و الأعلام السوداء...يصيحون بسعادة كبيرة..."يموت العدل...يموت مختار...يموت...يموت". الكل يحيي مختار...دخل بسرعة البرق المتكاسلة...يبحث في أركان البيت...و إذا الماما تضع ركبتيها على الأرض...و تنوح بضحكات متتالية...أضحكت معها حتى الجيش الملكي...و تتباهى حتى ترضي "حضرتهم" بوليمة كبيرة...حرصت فيها أن تكون كؤوس الدموع كثيرة...لتكفي الحضور...فالحضور "حضرتهم" و يجب أن يكون ما يليق...حينها نظرت لزوجها السيد "ليت"..."هل صنعت كفنا يليق بالمختار:-فقد أوصاك بعد موته أن يكون بلون الحداد...!!!"
"سيكون له ما يريد...و ما أريد...و ما يريده سيدي هولاكو...و إلى حين أن يعلن هولاكو عن عفوه الرئاسي...فسأحمل ابني إلى مقبرة تليق بمقامه...و أختار له قبرا عربيا".







