لما لا نعرض عليه صداقاتنا أيضا ؟؟
ربّما يبدو هذا العنوان مُبهمًا نوعًا ما باعتبار أنّ الضّمير المتصل:( الهاء) لا يُوضّح على من يعود إذ لم يُذكر قبله، ولكن المعنى سيتضّح تدريجيًا باتّضاح الموضوع، وهو أساسًا يدور حول الصّداقات الّتي نعقدها مع من نختارهم، أو نلتقي بهم، أو يُفرضون علينا فرضًا، والبعض يُسمّيها علاقات الأخوة في الله، ومهما اختلفت المصطلحات الموظّفة، إلاّ أنّ القصد الّذي أرمي إليه واقعٌ قبل هذه العـقود فكثيرًا ما نعقد مثل هذه العلاقات مع أشخاصٍ وضعتهم ظروف الدّراسة، أو العمل، أو ما شابه ذلك في طريقنا، وآخرون قُدّموا إلينا، وصنفٌ آخر نختارهم لأنّنا أحببناهم، أو أحببنا فيهم طريقتهم في الكلام أو التّعامل، أو ربّما حتّى أشكالهم، ولا نأخذ وقتًا للتّفكير، أو التّمحيص، ونندفع لاحقًا في مشاعرنا ونبدأ في التّضحيات، والتّنازلات تحت غطاء المسمّيات النّبيلة كالصّداقة والأخوّة، ويحدث أحيانًا أن نكتشف عيوبًا وأخطاءً كبيرة، فنغُضّ الطّرف عنها كذلك من أجل تلك المسميات، وكم من صداقةٍ قتلت، أو دمّرت أو ضيّعت، ونحن نعلم ذلك، وسمعنا من مثل تلك القصص الكثير، ولكنّنا مع ذلك نستمر في الاعتقاد أنّ العلاقات الّتي بنيناها نحن لا تنتمي إلى ذاك النّوع، وهذا لا يعني وجود علاقات صداقة وأخوّة كثيرًا ما أنقذت من الضّياع، والانحراف، وبنت ما لم تبنه الأُسَرْ، ورفعت أصحابها إلى قِمم العُلى، وما أردت أن أصل إليه من خلال هذا العرض أنّه: إذا كانت هذه العلاقات الّتي تعرّضنا إليها قبيل هذه النّتيجة بهذا القدْر من الأهمية، فلِما لا نأخذ وقتنا في بنائها؟ وأهم من ذلك، ونحن نعلم أنّنا مهما برعنا في قراءة الغير فلن نستطيع أبدًا الوصول إلى حقيقتهم، فمعلومٌ أنّ كلّ واحدٍ منّا يجتهد في مثل هذه المواقف على إظهار أحسن ما فيه ليتمكن من كسب الآخر، ويبقى الوحيد الّذي يعرف هذه الحقائق المجهولة هو الخالق الّذي خلق وسوّى، ثمّ جعلنا شعوبًا وقبائل لنتعارف، فالأَوْلى بنا أن نعرض عليه صداقاتنا قبل أن نُقْدِم عليها، ونتعمّق فيها، كما نستخيره في الأمور الأخرى الّتي ارتبطت استخاراتنا بها، وكأنّها لم تُجعل إلاّ لها.
بقلم سعيدة بشار ـ بجاية ـ الجزائر







