- التفاصيل
- المجموعة: قطعة وحكاية
- الزيارات: 423
من تونس - الرئيس الحبيب بورقيبة
أول رئيس للجمهورية التونسية، حكمها ثلاثين سنة (1957-1987)، وتشبه بالزعيم التركي كمال أتاتورك، فأطلقت عليه ألقاب كثيرة مثل: "المجاهد الأكبر" و"صانع الأمة".
قال عنه الكاتب التونسي الصافي سعيد صاحب كتاب "بورقيبة.. سيرة شبه محرمة": هو "أكثر من رئيس وأكبر من عاهل بكثير، لقد جمع بين يديه دفعة واحدة سلطات الباي والمقيم العام الفرنسي".
انقلب عليه رئيس وزرائه زين العابدين بن علي، وعزله بعد مرضه وكبر سنه، ووضعه قيد الإقامة الجبرية إلى أن وافته المنية.
المولد والنشأة: ولد الحبيب بورقيبة يوم 3 أغسطس 1903، في حي الطرابلسية بمدينة المنستير الساحلية، وكان آخر العنقود وثامن الأولاد لأسرة ليبية الأصل متوسطة الحال.
الدراسة والتكوين: حرص أبوه الضابط المتقاعد في حرس الباي على أن يدرس ويحصل على شهادة التعليم الابتدائي حتى يعفى من الخدمة العسكرية مع السلطات الاستعمارية.
التحق بمعهد كارنو الفرنسي وحصل فيه على الثانوية العامة، وفي عام 1924 سافر إلى فرنسا للدراسة في كلية الحقوق والعلوم السياسية وحصل عام 1927 على الإجازة (البكالوريوس)، وعاد بعدها إلى تونس ليشتغل في سلك المحاماة.
الوظائف والمسؤوليات: اشتغل بالمحاماة والصحافة، فأصدر صحيفة "صوت التونسي" عام 1930، ثم صحيفة "العمل التونسي" عام 1932، قبل أن يتولى عام 1957 رئاسة الجمهورية التونسية.
التوجه الفكري: لم يكن له توجه فكري واضح، والثابت عنده هو التمسك بالسلطة والكرسي، إذ اتبع النهج الاشتراكي في أول الستينيات وخاصة في تدبير القطاع الفلاحي، وغيَّره في آخرها إلى الليبرالية اقتصاديا والاستبداد المطلق سياسيا.
يصفه أتباعه برائد التحديث الاجتماعي في تونس، لكن معارضيه يصفونه بمؤسس العلمانية التونسية، ورائد سياسة التغريب.
التجربة السياسية: دخل العمل السياسي عام 1933 من بوابة الحزب الحرّ الدستوري التونسي الذي كان يقوده عبد العزيز الثعالبي، لكنه سرعان ما تركه وأسس مع آخرين: الحزب الحر الدستوري الجديد في 2 مارس 1934.
اعتقل مرات عديدة من طرف سلطات الاستعمار الفرنسي بسبب نضاله من أجل التحرر، فهرب إلى مصر وعاد إلى تونس في 7 أبريل 1943، وفي 16 مارس 1945.
ومن أجل التعريف بقضية تونس سافر إلى بلدان عديدة كمصر والهند وإندونيسيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا التي قدم لها عام 1950 مشروع إصلاحات للحكومة الفرنسية.
أعلن في 2 يناير 1952 عدم ثقة التونسيين في فرنسا، واندلعت بعد ذلك الثورة المسلحة في 18 يناير 1952، وهو ما ردت عليه فرنسا باعتقاله مع عدد من رفاقه في الحزب، وبعد حوالي ثلاث سنوات قبلت الجلوس معه على طاولة المفاوضات.
عاد إلى تونس في 1 يونيو 1955 ولقي استقبالا شعبيا كبيرا. وقع مع فرنسا في 3 يوليو 1954 معاهدة تمنح تونس استقلالها الداخلي وإعلان الدولة التونسية.
عارض رفيقه صالح بن يوسف (الأمين العام للحزب الحر الدستوري الجديد) المعاهدة، ووصفها بأنها رجوع إلى الوراء، مما تسبب في انشقاق الحزب إلى فريقين ودخولهما في صراع شرس.
استطاع بورقيبة إقناع أغلبية التونسيين بالمعاهدة التي تلاها توقيع وثيقة الاستقلال التام في 20مارس 1956، وبعد ثلاثة أشهر ألغى الملكية بخلع الملك محمد الأمين باي وإعلان تونس دولة جمهورية في 25 يوليو 1957، واختير أول رئيس لها.
على المستوى الداخلي، سارع إلى القضاء على معارضيه وخصومه السياسيين بما فيهم رفاق الكفاح من أجل الاستقلال، وخاصة من عرفوا بـ"اليوسفيين"، أي أتباع صالح بن يوسف الذي اغتيل في فرانكفورت بألمانيا في أغسطس 1961.
جمّد بورقيبة نشاط الحزب الشيوعي عام 1962، وحارب فيما بعد الإسلاميين (حركة الاتجاه الإسلامي وحركة النهضة لاحقا) ونكّل بهم بعد فترة وجيزة من الهدنة استثمرها في حربه على المعارضة اليسارية التي شلّ فاعليتها وألغى الحريات الأساسية وفرض الرقابة على الإعلام.
أقر نظام الحزب الواحد وتحالف مع الاتحاد العام التونسي، وشرعن ذلك بتعديل دستوري في 27 ديسمبر 1974 سمح له برئاسة الدولة مدى الحياة.
تعامل مع المظاهرات بقبضة أمنية حديدية وأبرزها مظاهرات 3 يناير 1984 التي قامت بسبب ارتفاع سعر الخبز وعرفت بـ"ثورة الخبز" وراح ضحيتها المئات.
وبينما أقرَّ مجانية التعليم وإجباريته، أجهز على مؤسسة الزيتونة الإسلامية، وكان أصدر من قبل عام 1956 مجلة أحوال شخصية قضت بتحريم تعدد الزوجات وسمحت بالتبني، وأغلق المحاكم الشرعية وأغلق الديوان الشرعي، ووحد القضاء وفق الطريقة الفرنسية.
اعتبر نفسه مجتهدا، واتهم القرآن الكريم بالتناقض بقوله "إن في القرآن تناقضا لم يعد يقبله العقل.."، ودعا العمّال إلى إفطار رمضان لأن الصوم "يقلل الإنتاج ويعوق تقدم تونس ونهضتها"، كما منع الموظفات التونسيات من لبس الحجاب وغطاء الرأس.
على المستوى الاقتصادي اتبع في الستينيات سياسة التعاضد (الاشتراكية) من خلال تجميع الأراضي الفلاحية، لكنها فشلت، فتحول إلى الليبرالية في السبعينيات.
خارجيا، أعلن بوضوح تحالفه مع الغرب، ورحّب بالسياسة الأميركية في المنطقة، ولم يدخل في نزاع مع الاتحاد السوفياتي لكنه لم يقم معه علاقات اقتصادية أو عسكرية.
وبينما بنى علاقات قوية مع الأنظمة الملكية، عرفت علاقته بالمعسكر القومي بقيادة جمال عبد الناصر توترات مستمرة بسبب عدد من مواقفه، من قبيل دعوته الفلسطينيين في خطاب له بأريحا في 3 مارس 1965 بقبول قرار التقسيم مع مواصلة الكفاح، والاقتداء بالتجربة التونسية في التحرر.
الوفاة: بعد كبر سنه وتردي وضعيته الصحية، انقلب عليه وزيره الأول (رئيس الوزراء) زين العابدين بن علي، وأعلن نفسه في 7 نوفمبر1987 رئيسا جديدا للجمهورية التونسية.
وضعه قيد الإقامة الجبرية في مسقط رأسه المنستير، وحجب أخباره عن الإعلام إلى أن وافته المنية يوم 6 أبريل 2000، إذ منع بن علي الإعلام الأجنبي والتلفزيون التونسي من نقل أخبار عن جنازته أو عرض فيلم عن حياته، كما منع بعد ذلك الاحتفال بذكرى وفاته.
لكن بعد سقوط بن علي وهربه من تونس يوم 14 يناير 2011، أشرف الرئيس التونسي للمرحلة الانتقالية منصف المرزوقي على إحياء ذكرى وفاة بورقيبة بالمنستير، مما اعتبر تجاوزا لمرحلة الخلاف التاريخي بين بورقيبة وصالح بن يوسف، لأن والد المرزوقي كان مناصرا لصالح واضطر بسبب ذلك للهجرة إلى المغرب.
Comments powered by CComment