أسماء صقر القاسمي : كلباء واللغة الباحثة عن اكتمالها

حينما يرتحل الزمن عبر مسافات الذاكرة ليعبر عن وجع الحنين....وحينما تقدم اللغة بوحها باحثة عن إمكاناتها المتجددة ثورة على الثبات والنمطية....وحينما يعبر الحرف عن إلتزام ينبني على تاريخ متعب ...يتشكل وعي نصي باحثا عن هوية تتأسس على الوجود الأصيل في تلك الممكنات التي ترميها المعايير بالتهميش والمغايرة....هذا ما وجدته في نص الشاعرة الإمارتية المبدعة أسماء بنت صقر القاسمي الموسوم بـ" كلباء" فما يقوله النص؟

العنوان:"كلباء" يتخذ العنوان شكل الواحد غير المتعدد ،والذي يدل على المكان/الهوية ،وكأن بالنص يؤسس خطابه على الانوجاد الواضح الذي يرتكز على التاريخ وتمظهراته ويهرب من صفة الغموض والإبهام،إذ يصبح الإبداع تعبيرا عن زمن مرتحل في ثنايا الذاكرة أو منجز لغوي ينفتح على الاعتبارات القبلية،حيث يوتوبيا الحنين وحلم التمكن والتموضع الدائم في راهن النص ومستقبله، وتقوم كلباء على منطق المشابهة(كاف التشبيه)،حيث اللغة ممزوجة بالوطن أو الوطن معبرا عن حدوده بالتشكيل اللغوي . إن كلباء/اللغة، كلباء/الهوية،كلباء/الوطن تؤسس خطابها في شكل الانفراد لتعبر عن زمن التمكن مقصية كل الاعتبارات الزمكانية المغايرة،وتؤصل لمركزية الحضور التمايزي مسائلة بوح القصيد عن كل محدداتها الوجودية وعن خبرها الغائب في ثنايا الخطاب الشعري حتى تترك للقارئ فضول التوقع وافتعال التخييل .

على(سييفيك) أستحضر مهد الطفولة

تشكل ملامحي أصدافا على

(القرم)

أوشوشها بهمسات حبك

أهدهدها في مراجيح

الغيم

لتفترش سنابل

ترسم من الأحلام

قوسا قزحيا على وجنة

السماء

تخاطب الذات/اللغة النص بصفة الحضور ،حيث تبدأ خطابها الشعري بشبه جملة (جار ومجرور) ،وكانها تبني اعتباراتها على المعنى غير المكتمل أو النموذج المنتقص الذي يبحث عن اكتماله داخل النص في لحظة المستقبل"أستحضر"،ومن هنا فاللغة تعترف بأن مستقبل النص سيتأسس على تلك التمثيلات الخطابية الهامشية ( شبه جملة) ليحتفي بزمن إبداعي مغاير حيث اللغة أو اللهجة التي كانت تعيش بمحايثة النص المركزي المعتمد على الفصحى قديما تسترد وجودها ومكانتها من أول النص،لكنها  ـ أي اللغة ـ تستفيد من النفس التاريخي والتمظهرات الواقعية لتبين أن هذا الوجود الهامشي كان ماثلا في ذاكرة النص"مهد الطفولة" وطمس بفعل سلطة المعايير المؤسساتية،وانه قد آن الاوان للحظة الآنية حتى تعترف بها وتعيد الاعتبار لها بحكم أنها تمثل العالم الأصيل.إن اللغة تمنح تحققها إلى الإمكانات النصية المستقبلية"تشكل" ليصوغ هويتها من جديد ،حيث الامتزاج بين الحاضر"أهدهدها ـ تفترش ـ ترسم" ،والماضي"شوشها"،وحيث الأقواس(سييفيك) ـ (القرم) تحاول الاحتفاظ بالملامح اللغوية وهوية تبنى على المعنى المحايث،وحيث صورة الاسترجاع ورغبة التمكن وإن سيج بالاستحالة يظل مرسوما بحدود الاعتراف وامل الظهور"الأحلام ـ قوسا قزحيا ـ السماء".إذن فاللغة تخاطب النص وفق مركزية الحضور من خلال الاكثار من الأفعال المتجهة نحو القادم ،ومن خلال توجيه الخطاب للنص بشكل مباشر بصفة المخاطب حتى لا يغيب عن زمن الإبداع ولا يسلم نفسه للسكون والصمت.

المسافة بيني وبينك

تنافس ضوء قناديلك المعلقة على

شرفات روحي

يتسرب شفيفا صوب بحر حبك من

سنابل الوجع الموشوم في

غيمة ترتعش في لحظة

الهطول،

كارتعاشة سنونو على

رمش الندى المعتكف في

خوابي السحر.

وتبقى اللغة/الوطن تخاطب النص في حكم الموجود المقابل لها،حيث مستقبلها"تنافس" يقوم بعد مسافة صمت مسكونة بالقلق والارتياب،ومن ثمة تهدي بوحها إلى اللحظة المؤجلة حيث التحقق حاضرا"يتسرب ـ ترتعش"،وحيث التنبؤ بتشكل مستمر ،إذ تكون هويتها في طور الإنجاز لا تعبيرا عن النموذج المكتمل"سنابل ـ غيمة" أو إيذانا بالرحيل"سنونو" حيث البحث عن كون شعري جديد متحرر من المعيارية المطلقة.

يسافر بي على متن هسيس قصيدة

عابرة

تلون صخب المطر في المدى

البعيد

البعيد

في ساحات البصر

وترتحل اللغة/الوطن عبر مسافات التوتر معبرة عن كينونة تبحث عن اكتمالها في زمن المستقبل"يسافر ـ تلون"،حيث يصبح النص منجزا بعيد التحقق ينتظر إمدادات مختلفة"المطر" مستمدة من السياقات المتعددة الآنية،لكنه يظل ملوحا بعدم الاكتمال حيث اللانهائية والتعدد تحكم منطقه الإبداعي وصورته الهاربة من صفة التحديد والتطابق والمماثلة،وحيث اللغة/الوطن تطالب باستلام مستقبل القصيد وصياغته وفق تواجدها المنبني على التوتر والتجدد،وحيث الثورة على الاكتمال القائم على وعي مغيب.

يمارس نايها هديل طقوس

تحمل سر الماء

والنخيل

تحت زحات حواس الحروف على

جدار العمر

تنعتق الرؤى

فيك كلباء

عمرا ضاربا في العمر

وتبحث اللغة عن اكتمالها أو تحققها مستقبلا"يمارس ـ تحمل ـ تنعتق" داخل النص،حيث تستجمع عناصر تشكلها من تمظهرات مختلفة ومن سر الانتماء،إذ المكون الوجودي(الماء ـ النخيل) والمكون المتخيل أو العالم المحايث(الحروف) يشكلان عمر النص وذاكرته ومستقبله ،وحيث اللغة/الوطن أو كلباء/الوطن تستريح داخل ارتحالات هامسة لتؤسس وعي القصيد وراهنه المنبني على الحضور المستمر.

صفحة الفايسبوك

التسجيل في الموقع

  • صلاح
  • kadchahed

فيــــــــــــديو : تحية لقراء مجلة حنين