إيجابيات الرسوب المدرسي

إيجابيات الرسوب المدرسي

من لم يعرف رسوبا في حياته وفشلا في الوصول إلى هدف ما؟ ومن لم يتألم لرسوب شخص عزيز عليه وفشله في مهمة من المهمات؟ وهل دائما الرسوب يعني الخسارة وضياع الحلم؟ وهل للرسوب المدرسي ايجابيات؟


كلها أسئلة سنحاول الإجابة عنها من أجل تسليط الضوء على جهة هامة من هذه الظاهرة التي ينسى الكثير التفكر فيها والتمعن في خباياها.
ومعنى الرسوب هوالفشل في عدم تحقيق شيء وهوضد النجاح تتصل كثيرا هذه الكلمة بكلمة مدرسة، فيعد الرسوب المدرسي من أهم الآفات التي يحاول المربون والمدراء وحتى الوزارة تفاديها وتعويضها بالنجاح الذي هوأسمى أهداف الجميع.
يعتبر الرسوب المدرسي اذا في أي مرحلة كان أّمرا سلبيا سواء اسريا أواجتماعيا أونفسيا. لكن، الأمر الذي ينساه الكثيرون ممن ينظرون إلى سطحيات الأمور فقط أن للرسوب المدرسي أيضا إيجابياته أسريا واجتماعيا ونفسيا.
وسنبدأ أولا بسرد أسباب الرسوب المدرسي المحتملة في المرحلة الابتدائية ثم نتطرق إلى إيجابيات الرسوب وأخيرا نعطي نصائحا هامة للراسبين وللمعلمين ولأولياء الراسبين.

أسباب الرسوب المدرسي

من خلال ملاحظاتي واتصالي الدائم بأولياء التلاميذ في اطار جمعية أولياء التلاميذ ، اسرد أهم الأسباب المؤدية لهذه الظاهرة والتي قد يغفل عنها الأولياء كثيرا حيث تتجه أيدي الاتهام أولا للمعلم أوالمعلمة وينسون أن الأمر اكثر تعقيدا وقد يكونون اكبر طرف في رسوب ابنائهم.

أسباب أسرية:

 نذكر أهمها عدم الاستقرار العائلي وكثرة النزاعات التي تجعل الأبوين غير قادرين على التركيز على الأبناء . انهما يركزان على نفسيهما والمشاكل العائلية المطروحة وينسيان أن الأبناء ما بين 6و11 وفي بداية مشوارهم الدراسي يحتاجون للدعم النفسي أكثر منه للدعم المادي.
 عمل الزوجين خارج البيت وإيكال مهمة الأطفال مئة بالمئة للخادمة أولأشخاص من العائلة وعدم تتبعهم يوميا بالمذاكرة معهم وسؤالهم عن كيف أمضوا نهارهم في المدرسة لاستشعارهم أنهم قريبون من الطفل ومن معلمه أومعلمته .
أسباب تربوية
 تربية الطفل على الاتكال وتدليله زيادة عن اللزوم وإعطائه مصروف يومه بما يفوت حاجته وعدم غرس فيه قيمة العمل والتعب للحصول على ما يريد.
 التفرقة بين الأبناء واللجوء لمقارنة الابن بأحد إخوته أوأخواته على مستوى الذكاء أوالنقاط الدراسية أوالانضباط في المدرسة إلى غير ذلك من الأمور، وهذا له أثر كبير في إحباط المعنويات وتثبيت الأشياء السلبية في شخصية الطفل بدلا من التعرف على شخصيته والتفهم للمواقف وعدم اللجوء لجعل الأبناء نسخ من بعضهم البعض والاعتراف بالفوارق الفردية على مستوى الذكاء والحوافز. فأخطر الأفعال على الإطلاق هوأن نحاول جعل ابننا نسخة من احد إخوته أونسخة منا فينشأ بشخصية غير حقيقية وتظهر عليه مظاهر التيهان كلما تقدم في العمر.

أسباب اعلامية

إنها من اهم الأسباب التي لا يأخذها المربون بعين الاعتبار ويظنون ان لا علاقة للرسوب المدرسي بما يراه الطفل من رسوم متحركة أفلام. وانا هنا لا أتحدث على الساعات الطويلة التي قد يقضيها الطفل امام التلفاز بل أريد التطرق لمضمون ما يشاهده الطفل يوميا، وهومضمون فارغ المحتوى في أغلبه. فما فائدة مشاهدة "توم وجيري" وما فائدة مشاهدة "أبطال الديجتال" الخ من الافلام الكرتونية التي تساهم في نموالعنف والغباء عند أطفالنا. وأين هي الرسوم المتحركة التي تنمي قدراتهم العقلية والفكرية وتواكب ما يتعلمه الطفل في المدرسة؟
لقد اثبتت دراسات امريكية أن الرسوم المتحركة تزيد من الشرود الذهني للأطفال بالمدرسة وتزيد من أحلام اليقظة عندهم بخروجهم من الواقع كلما احسوا بضيق نفسي. وهي من الأساليب التي تؤدي إلى الانسحابية أثناء أوقات الدراسة.

أسباب فردية

ليس كل الأطفال أذكياء بنفس النسبة وليس كل الأذكياء ناجحون، كما ان الأطفال المتوسطي الذكاء ليس هم أكثر الراسبين في المدرسة بل الذين لا يعرفون كيف يستعملون طاقتهم العقلية وتوظيفها في امر الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
ليس عقلانيا أن نتوقع النقاط العالية من تلميذ متوسط الذكاء وإرغامه على أن يكون في هذا المستوى واستعمال الطرق الخشنة أوالتحفيزات المادية قد يعطينا عكس ما كنا نتوقع بسبب الضغط المتواصل على الطفل. هذا الضغط كفيل لوحده أن يجعله يرسب.
اذا، على الأولياء ان يتعرفوا على المستوى العقلي لأبنائهم ويتعرفوا على ميولاتهم لتوجيههم اكثر. فلا داعي لإرغام طفل لا يجيد الرياضيات (أي أن عقله أدبي أكثر ما هورياضي) على ان يكون الاول في الصف في هذه المادة. وقدرة الطفل اللغوية والتعبيرية وقدرته على تعلم اللغات مؤشر جيد للتعرف على ميوله الآدبي وتشجيعه بطريقة صحيحة هوالضامن الوحيد لنجاحه في المدرسة ونجاحه أيضا في الحياة. فحسن اختيار ما يريد الطفل دراسته في المستقبل وتماشيه مع مستواه في اختياراته يضمن له النجاح أكثر.

أسباب تعليمية

أول ما نتحدث عنه هوأن التلميذ يدرس جيدا ليرضي حبه الذاتي ويفوز بتقبل الاخرين له. فيدرس لكي يفرح الأولياء والعائلة بنتائجه ويدرس ليفرح معلمه أومعلمته به فيمدحه امام التلاميذ الآخرين. فيعود ذلك على التلميذ انه يستشعر حب المعلم له وحب الآخرين.
وانا في مجال عملي أطرح أسئلة على الخرجيين الجدد: ما الذي جعلك تكون جيدا في المادة الفلانية؟ فيجيب اكثرهم أنهم كانوا يحبون مدرس تلك المادة التي كان بدوره يحبهم ويحترم رأيهم ويبذل جهدا لأفهامهم. والعكس صحيح اذ أن معظم من كرهوا موادا تعليمية رسبوا فيها لكرههم للمعلم الذي رأوا منه ظلما أوتعد على حقوقهم كأطفال.
لهذا ، أهمس في آذان المعلمين والمربيين كلمات علها تقع في نفوسهم وقعا حسنا.
أيها المعلمون والمعلمات ! لقد بلغتم في مرتبتكم مرتبة الرسل في أداء الأمانة وتبليغ الرسالة. فرفقا بأبنائنا فلذات أكبادنا. فإن لم ترفقوا بهم وتؤدوا واجبكم نحوهم فإنكم تدخلون أبناءكم دائرة الخطر أيضا ، فقد يتعرضون لنفس أسلوبكم مع معلميهم. ألم تقل الحكمة :"كما تدين تدان".
أيها المعلمون والمعلمات ! هل أنتم حقيقة مربون؟ هل أنتم حقيقة ما تدعون؟ هل اخترتم مهنتكم عن حب؟ وكيف تستطيعون أن تكونوا مربيين جيدين ان لم تتعلموا كيف تكونوا كذلك.
أنصح اخواني واخواتي في سلك التعليم ان يتجهوا إلى مراكز التنمية البشرية التي تنتشر في بلادنا منذ حوالي 6 سنوات أواكثر وذلك لتعلم الأساليب الإيجابية في التدريس. ومن لم يستطع فإن الإنترنت فضاء قد يجد به المدرس كل المعلومات الضرورية لتحسين نوعية تدريسه، بل أكثر من ذلك، ان المنتديات التعليمية قد توفر له مساحة حوار بينه وبين الكثير من المدرسين للتواصل والتعاون على حل مشاكل القسم والمدرسة.


إيجابيات الرسوب الدراسي

كثيرا ما تكلمت مع متخرجين جدد في اطار مقابلات منها تقييم هؤلاء تقييما نفسيا من أجل توظيفهم بالشركة التي اعمل بها. ومن خلال المئات من المقابلات التي أجريتها، كنت دائما حريصة على التعرف على وقع الرسوب في نفسية من تعرضوا له في حياتهم الدراسية. والمذهل في الآمر أنه حوالي 90 بالمئة من هؤلاء الأشخاص أوأكثر يعترفون أنه لولا رسوبهم لسنة أوسنتين بالمرحلة الإعدادية أوالأساسية أوالثانوية وحتى الجامعية لما تفطنوا لنقائصهم ولما تحصلوا على طاقة إضافية مكنتهم ليس فقط بعدم الرسوب بل بالامتياز في دراستهم.
وبعد تفكر وتدبر في إيجابيات للرسوب الدراسي كأخصائية نفسية وبعد تكوين أجريته على تقنية الكورت ، وهي مجموعة تقنيات تعلم الشخص كيف يفكر وكيف يبدع وكيف يأخذ القرارات الجيدة وجدت التالي:
أسريا، قد يؤدي رسوب الابن أوالابنة إلى تفطن العائلة لوجود مشكل ما عند الراسب. فيحاول الاباء العاقلون أن يجدوا اسباب الرسوب لتفاديها في المرحلة التالية بدل من تعنيف الابن واشعاره أنه كراسب لايساوي شيئا. وهنا الأمر الخطير ليس رسوب الابن بل رسوب الآباء في حل المشكل بل وتعميقه في نفسية الطفل.
اجتماعيا، إن رسوب الكثيرين في الدراسة ليس معناه الرسوب أوالفشل في الحياة، بل الأمر أبسط من هذا. على الأولياء أن يتقبلوا ان ابنهم لم يكن ليستطيع مواصلة الدراسة سواء لأسباب فردية أولأسباب نفسية، فيتوجه هذا الأخير إلى ما يحفزه فيتقنه. ومن هنا يخرج الخباز الماهر، والبائع الشاطر والميكانيكي الذكي والخياطة الماهرة الخ.. فلودرس الجميع ما كان لأن يكون المجتمع متزنا. اذا، التوازن الاجتماعي يستدعي ان يكون للرسوب المدرسي دورا أساسيا. أما الرسوب غير المقبول فهواتكال التلميذ أوالشخص على غيره في كل شيء (اتكال على الاسرة، على اشخاص، على الدولة الخ..) وفي هذه الحالة فإننا نتكلم عن الفشل في الحياة وليس الرسوب في احد أجزائها الممكن تعويضه.
أما نفسيا، فإن رسوب الابن قد يفطنه ويفتح مجال ادراكه لنقائصه في الدراسة وبالخصوص لنقائصه المنهجية للوصول إلى النتائج المرجوة. من هنا قد ينفعه ذلك في التغيير من اسلوب مذاكرته وقد يتشجع أكثر في مضاعفة جهوده حتى لا يتكرر رسوبه.
اذا قد يسبب الرسوب المدرسي همة في نفسية التلميذ حيث انه بعد مروره بالتجربة بنفسه يستطيع اتخاذ الأسباب لعدم تكرار هذه التجربة.

لكم أيها الراسبون

أيها التلميذ الراسب ! اجعل من رسوبك بذاية لنجاحك، فإكتشف نقائصك وعوضها، واسأل من هم اكبر منك واقرأ تاريخ اعظم من نجحوا في التاريخ فسترى ان فشلهم في اول المسار كان اكبر دافع لهم لركوب سفينة الامتياز.
أيها المعلم ايتها المعلمة! اهتما اكثر بمن رسبوا بالقسم حيث تكون ثقتهم بنفسهم مهزوزة وينتظرون منكم الدعم النفسي بدل ان تجعلوهم في الصف الأخير وتنعتوهم بنعوت يكرهونها وتؤثر على مسارهم الدراسي. تستطيعون ان تجعلوا منهم عونا لكم في الدروس للتلاميذ الجدد.
أيها الاولياء ! ان رسوب ابنكم في الدراسة ليس بالكارثة وليس الأمر كما تتصورون. خذوا بيد راسب نحوالنجاح بتعليمه اساليب جديدة في الدراسة ومنهجية جيدة وان كنتم غير اكفاء فوجهوهم لمن يستطيع مساعدتهم. ان اسلوب التعنيف والحذ من قيمة الراسب قد تقتل فيه روح المبادرة. كما قد تجعل منه شخصا لا همة له ، فتبدأ الحلقة المفرغة للرسوب. فمن الرسوب الدراسي ، إلى الرسوب العلائقي، إلى الفشل العاطفي إلى الفشل المهني إلى دوامة الاكتئاب التي لا يحمد عقباها.

د. جليلة .

صفحة الفايسبوك

التسجيل في الموقع

  • صلاح
  • kadchahed

فيــــــــــــديو : تحية لقراء مجلة حنين